مقابلة خاصة مع جيهان زكي، مديرة الأكاديمية المصرية في روما غلوبال نيوز برس – روما حوار: محمد أدهم السيد – باول أرينسون (ICCROM) قد يبدو من المثير أن تصادف خلال تجوالك في شوارع وساحات العاصمة الايطالية “روما” بعض المسلات المصرية والاثار الفرعونية، التي تذكرك بالروابط التاريخية التي تجمع بين مصر وروما. ولكن الأكثر إثارة أن تسنح لك الفرصة بزيارة الأكاديمية المصرية العريقة، هذه المنشأة الثقافية التي تنتصب بعراقة وشموخ في مدينة روما، على مقربة من منطقة فيلا بورغيزي، إلى جانب مجموعة من الأكاديميات العالمية للفنون والمراكز الثقافية لعدد من الدول في العالم. رغم أن الأكاديمية المصرية هي واحدة من بين سبع عشرة أكاديمية للفنون الجميلة تتواجد اليوم في إيطاليا، إلا أنها تنفرد عن غيرها كونها الممثل الوحيد لهذا النمط من المنصات الفنية والثقافية عن القارة الأفريقية والعالم العربي، وتتشارك مع اليابان في تمثيل “الشرق” بين تلك الأكاديميات. تحتضن الأكاديمية العديد من المقتنيات الهامة التي تعكس تاريخ وروعة الحضارة المصرية العريقة، منذ أيام الفراعنة وحتى يومنا هذا. ولهذه الأكاديمية العديد من الأهداف، فبالإضافة إلى استضافة الطلاب لفترة من الزمن خلال دراستهم للفنون في روما، تعيد الأكاديمية إحياء مجد الثقافة والفنون المصرية في إيطاليا والغرب، وتعزز الشعور بالفخر بهذا التراث الغني. بهذه الرسالة الواضحة والمباشرة تستقبلنا مديرة الأكاديمية، الدكتورة جيهان زكي، هذه السيدة الاستثنائية التي تضيف بابتسامتها الواثقة وشغفها الكبير بعداً إضافياً للزيارة. تشعر عندما تحدثك بهذا العمق من المعرفة والخبرة أنك تتحدث إلى سفيرة حقيقية، أقل مايمكن أن توصف بأنها سفيرة للثقافة والفنون، خاصة عندما تتحدث عن دورها الذي يتمثل في نقل رسالة الثقافة المصرية إلى العالم. بينما كنا نتجول ضمن صالات وباحات الأكاديمية ونستعرض مقتنياتها الرائعة من التراث المصري العريق، تحدثت الدكتورة جيهان زكي عن رحلتها في هذا المكان، منذ تعيينها كمديرة للأكاديمية في عام 2012، وانتخابها لاحقاً كعضوة في مجلس إدارة المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية (ايكروم) في عام 2013، ممثلة لجمهورية مصر العربية. ومن قلب الأكاديمية المصرية في روما، دار بيننا الحوار التالي: د. جيهان زكي، هل يمكن أن تحدثينا باختصار عن الأكاديمية المصرية في روما؟ – تأسست الأكاديمية المصرية في روما في عام 1924، وانتقلت إلى مكانها الحالي على مقربة من فيلا بورغيزي في عام 1966. بالإضافة إلى استضافتها لطلاب الفنون المصريين خلال دراستهم في روما، تستحضر الأكاديمية مجد الفنون والثقافة المصرية إلى الشعب الايطالي والغربي، كما تشجع المواطنين العرب في كل مكان من الشرق الأوسط والعالم العربي للشعور بالفخر بهذا التراث الغني. على الرغم من وجود العديد من أكاديميات الفنون الجميلة في روما، إلا أن الأكاديمية المصرية هي الوحيدة التي تمثل العالمين العربي والأفريقي في الوقت نفسه. ما هي أهمية دور الأكاديمية اليوم؟
- يشهد العالم اليوم حرباً ثقافية حقيقة، ففي زمن التفكير الإقصائي الذي يضع الأفكار ضمن منظور محدد (الأبيض والأسود)، تمتلك الأكاديمية المصرية مكانة هامة ودور اجتماعي متعدد الأبعاد، خاصة في مجال تأويل التاريخ. نحن نريد أن نبين أن للخبراء دور، وأنه عندما تقوم بتفسير التاريخ من المهم أن تضيف لمسة من التسامح إلى هذا التفسير. هذا الأمر يبقى صائباً، حتى عندما يكتب التاريخ بيد المنتصرين – وربما خصوصاً في مثل هذه الحالة.
- يمكن ملاحظة قوة الاقناع أو القوة الناعمة للثقافة والفنون في كل مكان. يمكن استخدام الثقافة للتفاوض على نطاق واسع مع أصحاب المصلحة أو الجهات المعنية وتشجيعهم، من أعلى مستويات السلطة إلى السكان الفقراء والمعرضين للخطر. تخاطب الثقافة والفنون عقول الناس وقلوبهم، وتوسع من آفاقهم ووجهات نظرهم، وإذا استطعت التأثير في قلوبهم ولو لمرة واحدة فإنهم سيعودون مرة ثانية وثالثة.
- في الأكاديمية المصرية، لا نفتح أبوابنا للدوائر الدبلوماسية فحسب، وإنما للمجتمع المصري المقيم في إيطاليا أيضاً، وهم كثيرون، وخصوصاً في مدينة ميلانو. كما أني أدعو المجموعات المدرسية، وتحديداً الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و12 سنة لزيارة الأكاديمية، من إيطاليا وباقي أنحاء العالم. يأتي هؤلاء الأطفال والشباب والشابات للتعرف على روعة التاريخ المصري. يمكنني أن أضع قطعة لن ينسوها أبداً من مصر داخل قلوبهم، وقد تولد لديهم الرغبة لمتابعة دراستهم فيما بعد حول مصر وعلم المصريات، كما فعلت أنا.
- لقد أهمل التيار الثقافي السائد، والذي غالباً مايكون نخبوياً إلى حد كبير، التعامل مع المجموعات السكانية المعرضة للخطر أو تضمينهم ومشاركتهم والاهتمام برعايتهم أو التعامل مع أوجاعهم، وهذا هو بالضبط السبب الذي ساعد داعش على النجاح في استقطاب وضم هذه الشريحة من الناس. لا يجب إهمال دور الاندماج الاجتماعي في أي مؤسسة، لاسيما المؤسسات الثقافية، وإذا فعلنا ذلك فسوف نخسر هذه الحرب الثقافية، ولن نتمكن من خلق ذلك المجتمع المنفتح والمستقر الذي نتمناه. لتحقيق هذه الغاية يجب علينا أن نستثمر. بالنتيجة، بناء على خياراتنا، يمكن أن نحظى بجمال الثقافة، أو على النقيض من ذلك يمكن أن يكون لدينا ذلك الطوفان المرعب من التطرف الذي يغمر العالم العربي.
- سوف يستمر مركز إيكروم في كونه قوة داعمة للثقافة والمجتمع في المنطقة العربية بطرق عدة، خصوصاً في مجال التخطيط لفترة ما بعد الصراع، من خلال الاستعداد للمخاطر، وتقديم الإسعافات الأولية، واشراك المجتمع المحلي. لن تدوم هذه الصراعات إلى الأبد، لذا يجب علينا أن نفكر ونخطط للمستقبل. لطالما قدم مركز إيكروم أفضل ما لديه عند التدخل في أوقات الأزمات، مثلما حدث في أبو سمبل والسد العالي في أسوان في عام 1960. بالطبع، سوف يكون هنالك دائماً دور لمركز إيكروم.
- إن الثقافة هي قوة. لقد رأيت ذلك من خلال تجربتي في الأكاديمية المصرية في روما، وهي منصة لا يستهان بها. لقد عملنا خلال ستة أعوام في ظروف صعبة للغاية، ليس فقط على صعيد مصر، وإنما في جميع أنحاء المنطقة العربية. لقد شهدنا الثورات والحروب والصراعات المسلحة والاتجار غير المشروع بالآثار والعديد من الأهوال. لكن في أعماقي تكمن تلك الثقة أن الثقافة مهمة، وكذلك الأمر بالنسبة للتعليم الثقافي والفنون، وفوق كل ذلك الإنسان. إذا أردنا أو استطعنا أن نلامس الجماهير التي تعاني وتنجرف بعيداً، فإن ذلك سوف يكون من خلال الثقافة، عن طريق تغيير عقول الناس. لدينا واجب، نحن جميعاً العاملين في مجال الثقافة، أن نمضي قدماً نحو كل ما نراه يحدث في جميع أنحاء العالم، وأن لانستسلم أبداً.